قائم بالأعمال في بون:
ذهبت
الى بون بعد مدة أي بعد بضعة اسابيع بعد ان قضيت شؤوني العائلية والتحقت بالسفارة
في بون وتسلمت من القائم بالاعمال حينذاك محي المميز اعمال السفارة وقد احيل على
التقاعد قبل وصولي الى هناك وكانت مدينة صغيرة جامعية وقيل انها قد اختيرت لتكون
عاصمة المانيا الاتحادية أي المانية الغربية لقربها من مقر السيد كونراد اديناور
مؤسس المانيا الاتحادية بعد الحرب العالمية الثانية واول مستشار فيها وذهبت
للاقامة في فندق مناسب من فنادقها القليلة واقمت في الفندق في البداية لاني كنت
اتوقع ان يُرسل سفير واضطر حينذاك الى تخلية المنزل وهو قصر منيف وكانت حديقته
بسعة حديقة الزوراء في بغداد مثلاً وهو يعود الى عائلة المانية ارستقراطية ومالكه
عندما كنت هناك اسمه "ابارون ديكارت" ولكن القصر كان خارج بون بمسافة 10
كم او اقل ويسمى حينذاك بقصر (شلوس بورن هايم) وهي القرية الصغيرة التي كان فيها
القصر ولما طال انتظاري وبعد شهور قليلة انتقلت الى القصر للاقامة فيه وكان قد
استأجره المرحوم السيد علي حيدر سليمان عند تعيينه سفيراً هناك قبل سنوات وقد كانت
السفارة العراقية من السفارات الاجنبية القليلة التي تقيم احتفالاتها الرسمية في
دار السفير وذلك لسعة الدار وتعدد الصالات فيها وكان ممن ترددوا على دار السفير الاستاذ
فؤاد عارف والاستاذ عبد اللطيف الشواف الذي كان حينذاك مديراً للبنك المركزي والذي
نصحني بالتقليل من استقبال العراقيين في القصر وذلك كما قال تلافياً للغيرة والحسد
والاقاويل وبعد وصولي الى بون ومقابلة وزير الخارجية ورئيس الجمهورية زارني في
السفارة وفد من الطلبة العراقيين او من جمعية الطلبة العراقيين في المانيا وكان
الوفد مكوناً من ثلاثة او اربعة اشخاص وبدأ المتحدث بإسمهم بدأ في الحديث عن
السفارة وعن الذين كانوا مسؤولين عنها قبل وصولي الى بون وطلبوا مني ان لا اسير
على النهج الذي ساروا به من قبل وان يكون لهم في ادارة شؤون السفارة رأي… وكان مما طلبوه ان
يكون لهم رأي فيمن يدعون الى الحفلة التي كانت ستقام بعد مدة قليلة في السفارة
بمناسبة 14 تموز قائلين بالطبع سنكون نحن من الذين سيدعون الى تلك الحفلة فقلت لهم
ان ما تطلبونه غير واقعي وغير ممكن لان الدعوات هي من اختصاص القائم بالاعمال وهو
الذي يحدد الشخصيات التي تحضر مثل هذه الحفلات اما اذا اردتم ان تحتفلوا بمناسبة
يوم الثورة ثورة 14 تموز فبالامكان اذا اردتم ان تقام لكم حفلة شاي في السفارة
يدعى لها كافة الطلبة العراقيين وعدد من الطلبة العرب وممن تريدون دعوتهم. ولما سمع
الطلبة هذا الحديث مني استأذنوا وغادروا السفارة ولم تكن العلاقات حينذاك بين
السفارة وبين جمعية الطلبة العراقيين جيدة بالنظر لتعسف تلك الجمعية واعضائها
وارتباطها السياسي ورغبتها الشديدة بالتدخل في شؤون الطلبة واعمال السفارة
العراقية وبعد فترة قصيرة جاءني رئيس جمعية الطلبة العراقيين الديمقراطيين التي
قيل لي فيما بعد انه كانت منظمة يسارية متطرفة جاءني رئيس المنظمة ليشكو اليّ لان
احداً من الطلبة القوميين قد اعتدى عليه بالضرب واراني الكدمات التي كانت موجودة
على وجهه فبعثت على ذلك الطالب وكان اسمه كما اتذكر ثابت وطلبت منه الذهاب فوراً
الى المعتدى عليه والاعتذار منه والا فسأقوم باعادته الى بغداد فوراً وكان عندما
قابلني ثابت هذا كان في مكتبي مدير شرطة بون، فقام ثابت وذهب على الفور الى رئيس
منظمة الطلبة العراقيين واعتذر منه وجاءني ذلك الشخص المعتدى عليه واخبرني بما جرى
وشكرني كثيراً ومنذ ذلك الحين لم يعد بيني وبين تلك المنظمة اية مشاكل فقد عرف
الطلبة الديمقراطيون وغيرهم انني اقوم بواجبي كما يجب ان اقوم به بصفتي رئيساً
للمؤسسة العراقية الموجودة في بون وبهذه الصفة بصفتي رئيساً ايضاً لجميع العراقيين
وعاملاً على اسعادهم بمختلف طبقاتهم ومختلف آرائهم السياسية.
سأذكر
بالخير دائماً ذلك الصديق العزيز والزميل المرحوم الدكتور عبد الحميد الهلالي الذي
كان مستشاراً ثقافياً في السفارة وكان يعمل معي بكل أمانة ولطف وكان يرعى الطلبة
العراقيين بمختلف اتجاهاتهم وكان يحاول ان لا تصل مشاكلهم اليّ وكان يحاول ان
يحلها بنفسه كلما تسنى له ذلك وقد ذهب الدكتور الهلالي الى اماكن متعددة في
المانيا متفقداً احوال الطلبة العراقيين وكان نعم الصديق ونعم الرفيق رحمه الله
كما اذكر بالخير الاخوان الذين عملوا معي في السفارة وكان منهم السيد حازم جلميران
الذي كان يقوم باعمال القنصلية. وكان يعمل بجد واهتمام لكي يعين الطلبة في احوالهم
الشخصية والمدنية وقضايا الجوازات والاقامة وغير ذلك. كما اذكر كذلك الاستاذ
المرحوم السيد مهدي نجيب الريس والسيد اكرم نعمان والسيد عبد الرزاق جاسم والسيد
مصطفى العاني وغيرهم ممن ساعدوني في اعمالي في تلك السفارة طيلة المدة التي اقمت
فيها في بون وكنت فيها اعمل في الخدمة العامة ما استطعت الى ذلك سبيلاً. ولم تكن
مهمتي في بون يسيره بالنظر للظروف التي كانت سائدة في بغداد .
لقد
كانت خدمتي في بون خصوصاً في بدايتها متعبة وذلك لان محاكمات المهداوي كانت على
قدم وساق في بغداد وكان المهداوي بين آونة واخرى يقوم بالحملات الشديدة ضد المانيا
الاتحادية وكلما يفعل ذلك يستدعيني احد كبار موظفي وزارة الخارجية الالمانية ليلفت
نظري او ليحتج ناقلاً لي ما قاله فاضل المهداوي في تلك المحاكمات عن المانيا الاتحادية.
واغرب ما يمكن ان اتذكره ما سمعته في تلك الايام من بعض القادمين من بغداد ان من
بين المرشحين لسفارة العراق في المانيا فاضل عباس المهداوي وقد استغربت ذلك كثيراً
ولم اصدقه كما لم يصدقه اعضاء السفارة الاخرون.
من وقف وراء فصلي ايام عبد الكريم قاسم:
واستقبلت
عندما كنت هناك الصديق الاستاذ عبد المحسن شنشل والسيدة الفاضلة حرمه وقد ذكر لي
الاستاذ عبد المحسن شنشل مايلي: قال عندما تم تعيينك او صدر امر نقلك الى بون
قائماً بالأعمال وكان ذلك بالطبع بأمر من هاشم جواد وزير الخارجية آنذاك استغرب
الاستاذ عبد الجبار جومرد الذي كان قد استقال من وزارة الخارجية بعد ثورة تموز
وقال ان ذلك يثير عجبي لان هاشم جواد عندما كنت وزيراً للخارجية في ثورة 1958
اوغر== صدري وحرضني على كاظم الخلف وان كنت لم افعل شيئاً ضده الى ان انتهت مدة
خدمته الاعتيادية في نيويورك وعاد حاله كحال الاخرين عند عودته من وظيفته الى
بغداد ولكنني استغربت جداً ان الاستاذ هاشم يحرضني على كاظم الخلف ثم يرسله الى
وظيفة من اهم وظائف الخارجية وهي وظيفة قائم بالاعمال في بون أي رئيس مؤسسة من اهم
مؤسسات الخارجية العراقية في اوربا في ظرف حرج كالظرف الذي كان فيه حينذاك. ولم
يكن بيني وبين الاستاذ هاشم جواد ود حينما كنت اعمل بمعيته وكان من اسباب ذلك
مزاجيته واعتداده بنفسه وعدم الاستماع الى نصيحة زملائه. وقد مرّ بي في بون ثلاثة
ضباط من زبانية عبد الكريم قاسم وقد حدث لي معهم بعض الاحتكاك لسبب يتعلق بالوظيفة
او بمهام الوظيفة وكان من اثر ذلك انني حين تم فصلي من قبل عبد الكريم قاسم من
الوظيفة وقال لي بعد ذلك الاستاذ هاشم جواد الذي كان وزيراً للخارجية حينذاك بأن
من اسباب فصلي هو تدخل هؤلاء الضباط زبانية عبد الكريم قاسم ووشايتهم بي لديه فقد
حاول احدهم ان يتدخل في شؤون السفارة وكان يعمل معي ملحقا عسكريا فاوقفته عند حده
وطلب الاخر ان يعامل معاملة خاصة لا تتناسب مع وظيفته مدعيا ان له موقفا خاصا لدى
عبد الكريم قاسم وطالب الثالث بطلبات غير معقولة من السفارة.
وفي
تلك الفترة دعانا ويلي براندت زعيم الاشتراكية الالمانية وزعيم الحزب الاشتراكي
الالماني وكان حينذاك رئيساً لبلدية برلين الغربية دعانا نحن رؤساء البعثات
الدبلوماسية في بون الى زيارة برلين وذهبنا الى هناك وكانت لي مقابلة طويلة مع
ويلي برانت ارسلت بعدها بتقرير الى وزارة الخارجية التي ارسلته بدورها الى الجامعة
العربية وقد قال لي محسن الجزائري الصديق العزيز والقائم باعمال السفارة العراقية
في القاهرة حينذاك ان حسونة باشا امين الجامعة العربية أُعجب كثيراً بتقريري عن
تلك المقابلة وقال انها من احسن التقارير التي تسلمها مدة خدمته في امانة الجامعة
العربية وعندما كنت في بون علمت ان قنصل الهند العام هو الصديق الذي كان في بغداد
سكرتيراً في السفارة الهندية وهو محبوب احمد.
واخذني
محبوب احمد بسيارته وعبرنا جدار برلين وانتقلنا الى برلين الشرقية لنرى الفرق
الكبير بين برلين الشرقية والغربية من ناحية الاعمار ومن ناحية الحالة الاجتماعية
التي كانت سائدة آنذاك وكان الفرق شاسعاً وكبيراً جداً واذكر ان محبوب احمد هذا
القنصل الهندي العام في برلين دعاني لقضاء سهرة في محل مشهور في برلين الغربية وهو
ملهى كبير وفيه عروض مائية وبشرية أي مشهد راقص للماء وبعد ذلك مشهد راقص تقوم به
بعض الفتيات ولكن مما يميز هذا الملهى عن باقي الملاهي ان على كل طاولة فيه رقم
كبير وتلفون ظاهر بنفس الرقم وهذا الرقم ظاهر للعيان وتوزع على الداخلين خريطة
بالصالة وبارقام التلفونات وعندما جلسنا دق التلفون علينا ولم نرفع السماعة لانني
غريب ويا غريب كن اديب وهو لانه قنصل عام ولم يرد ان يرفع السماعة ولكن التلفون دق
مرة اخرى لم نرفعها وثالثة ايضاً الى ان جاءتنا رسالة بيد الخادم تقول اذا كنتما
متزوجين ومخلصين لزوجتيكما فما الذي جاء بكما الى هذا المكان اجيبا على التلفون
ودق التلفون مرة اخرى فرفعه محبوب فاذا بها فتاة هندية ومعها زميلة لها وطلبت منه
ان يراقصها فقام وراقصها وراقص بعد ذلك زميلتها وقال لي بعد ذلك انه قام بواجبه
الرسمي كقنصل عام مسؤول عن الرعايا الهنود ولكن واجبه هذه المرة كان خارج السفارة.
سفير هندي في لندن:
ومما
اذكره عن اقامتي في بون انه في يوم من الايام قال لي السفير الباكستاني وحسبما
اتذكر كان اسمه نياز وكنا بصدد التعيينات في السلك الدبلوماسي في مختلف الدول
الناشئة الجديدة قال ان الهند عندما استقلت من بريطانيا كان الزعماء الهنود في
حيرة من امرهم لاختيار السفراء ليرسلوهم الى خارج البلد وكانت لندن من بين المراكز
التي كان يُفتش لها عن سفير، وطُلب الى احد المهراجات ان يكون سفيراًٍ في لندن
وبعد مراجعة وافق على الذهاب الى لندن ولكنه قال انما يزعجه ان يجلس عند احدى
طاولات عشاءات السلك الدبلوماسي الرسمية في لندن وعلى يمينه سيدة وعلى شماله سيدة
فماذا يقول لهما وكيف يتحدث وقيل له انك تدري المرأة هي المرأة تتحدث لها عن زوجها
اذا كانت متزوجة او معها اطفال وذهب السفير الجديد الى لندن ودعي الى حفلة عشاء
وجلس والى جانبه عن الجهة اليمنى سيدة وسيدة على الجهة اليسرى حسب الاصول وبعد
تردد التفت الى السيدة التي تجلس
الى يمينه سائلاً اياها هل انت متزوجة؟ قالت: لا. قال: فهل عندك اولاد؟ فانزعجت
السيدة وادارت وجهها عنه فظن كما يبدو حينذاك انه اخطأ في وضع السؤال. فالتفت الى
السيدة التي على يساره وسألها:هل عندك اولاد؟ فقالت له:نعم، ثلاثة. فقال: هل انت
متزوجة ، فامتعضت السيدة الاخرى وكانت تجربة بالنسبة للسفير الجديد لم ينسها طيلة
حياته كما كانت حديث المجالس…
وعلى
ذكر الاصول الدبلوماسية او ما يعرف بالاتكيت اود ان اذكر حادثة جرت لي مع احد
السفراء العرب في بون حيث كنا نجتمع اسبوعياً او مرتين في الشهر في بيت احد
السفراء والقائمين بالاعمال ولم يكن عددنا كبيراً حينذاك اذ كنا ستة او سبعة وكنا
نتناوب الاجتماعات كما قلت في بيوتنا، فكان على السفير الذي سيعقد الاجتماع في
بيته ان يكون بالطبع في غرفة الانتظار يستقبل زواره الا سفير عربي واحد لا اود ان
اذكر اسمه كان ينتظر في الطابق العلوي من البيت الى ان يجتمع كافة السفراء في غرفة
الاستقبال ثم ينزل من هناك لكي يقوم له السفراء العرب. فابتدرته مرة من المرات
قائلاً له يجب ان تتبع الاصول الدبلوماسية لا ان تجعلنا ننتظر وتنزل من غرفة النوم
الينا وهكذا كان ولم يكرر ذلك مرة اخرى وصار ينتظرنا في غرفة الاستقبال حسب
الاصول.
قائم بالأعمال في هولندا:
وفي
تلك الفترة جرى اعتمادي قائماً بالاعمال في هولندا بالاضافة الى وظيفتي في بون ولم
تكن هنالك سيارات لافراد البعثات الدبلوماسية بل كان السفراء والقائمون بالاعمال،
عدا سفارة لندن كما اعتقد، يستخدمون سياراتهم الخاصة وكانت لدي سيارة خاصة مرسيدس صغيرة
فذهبت لتقديم نفسي الى وزارة الخارجية الهولندية فذهبت اسوق سيارتي ونزلت مساءً في
امستردام وسألت عن المسافة بين امستردام ولاهاي العاصمة التي توجد فيها وزارة
الخارجية الهولندية فقيل لي نصف ساعة على الاقل وفي صباح اليوم التالي بعد ان
استفهمت عن الطريق من موظف الاستقبال ذهبت الى المكان قبل ساعة من الموعد وليس نصف
ساعة احتياطاً ولكني اخطأت في استعمال الطريق عندما سلكت الطريق الزراعي بدلاً من
الطريق السريع وكان خطأ كبيراً اذ اخذ مني الطريق ما يقارب الساعة وصلت الى لاهاي
ولم يبق لدي من الوقت الا عشر دقائق فاوقفت سيارتي في احد شوارع لاهاي وطلبت من
احد سواق التاكسي ايصالي الى وزارة الخارجية دون ان اكتب او اتذكر الشارع الذي
اوقفت فيه سيارتي وذهبت لمقابلة وكيل وزارة الخارجية الذي قابلني بلطف ورعاية
تامة. وفي نهاية المقابلة طلب مني او سألني ان كنت بحاجة الى شيء يستطيع فعله
اليّ، فقلت له: نعم واخبرته بما فعلت بسيارتي وما هي الا دقيقتان او ثلاث حتى صرت
في سيارة الوكيل بطريقي الى سيارتي في احد الشوارع التي تركتها فيه ولم اتذكر
اسمه. وفي اليوم التالي ذهبت للتشرف بمقابلة ملكة هولندا الملكة جوليانا فذهبت الى
القصر الملكي وقابلت جلالة الملكة التي كانت معها ابنتها الاميرة بياتركس التي هي
ملكة هولندا في الوقت الحاضر ووجدت فيهما كل ما يمكن ان تتصف به سيدة او امرأة من
حشمة ووقار واناقة وكانت لطيفة جداً معي وسألتني عن العراق واحوال العراق ورحبت بي
ترحيباً كثيراً وعدت في اليوم التالي الى بون ولم اعد بعد ذلك الى هولندا لكثرة
اشغالي او بسبب عدم وجود شيء مهم حينذاك في هولندا مما يجعلني اسافر مرة اخرى.
وبعد
عودتي من لاهاي الى بون بعد انتهاء زيارتي الى هناك، كان عقد ايجار دار السفير في
بون وهو القصر الذي تحدثت عنه في مناسبة سابقة ذلك القصر الكبير كان عقد ايجاره قد
اوشك على الانتهاء فطلبت من المرحوم السيد مهدي نجيب الريس وكان محاسب السفارة
آنذاك ان يبعث على البارون فون ديكارد صاحب المنزل ويطلب منه تنزيل الايجار بنسبة
الثلث لان البيت كبير ولسنا بحاجة الى مثل هذا البيت الكبير كما انه بعيد ومصاريف
ادامته كثيرة فبعث مهدي نجيب الريس على البارون فون ديكارد الذي كان يسكن في
فيسبادن ولم يكن يسكن في بون فطلب منه ما طلبته ان يقول له فرفض. وبعد ثلاثة او
اربعة ايام عاد لمقابلتي شخصياً فبعثت على مهدي نجيب الريس وجلس معه وناقشني بان
البيت يستحق ايجار اكثر وانه لذلك لا يستطيع تنزيل المبلغ فقلت له اذن نحن في حل
من العقد بعد شهر او شهرين وسننتقل الى محل اخر. فبادرني قائلاً انني اوافق على
هذا التنزيل ولكن اتدري السبب؟ قلت ما هو؟ قال لانك اعدت الى دار العائلة كرامتها
أي انك احترمت الدار ولم ادر ماذا كان يقصد بهذا الحديث او بهذه العبارة. وهكذا تم
تنزيل الايجار بنسبة الثلث بدون ان تطلب وزارة الخارجية في بغداد اليّ بذلك ولكني
وجدت من المصلحة ان انقل ذلك ففعلت. وطيلت خدمتي في وزارة الخارجية لا اتذكر انه
تم تخفيض ايجار اية مؤسسة دبلوماسية بل العكس كان هو الصحيح فقد كانت الايجارات
تزاد ين الحين والآخر.