الفصل السادس
ثورة 1963:
وبعد
ثلاثة اشهر او اربعة نسيت بالضبط، وقامت ثورة 1963 وبعث عليّ وزير الخارجية حينذاك
بعد بضعة ايام من قيام الثورة وسألني لماذا فصلت؟ فقلت له: لا ادري تستطيع ان تبحث
في ملفات الامن والمخابرات والدوائر الاخرى وملفات الخارجية لترى ان كنت مقصراً في
شأن من شؤون الوظيفة او غير الوظيفة وبعد بضعة ايام صدر قرار من المجلس الوطني
لقيادة الثورة باعادتي الى الخدمة وعدت الى وظيفتي مديراً عاماً لدائرة الامم
المتحدة والمنظمات الدولية في وزارة الخارجية ويجدر بي ان اذكر بهذه المناسبة ما
جاء في مذكرات الاستاذ فؤاد عارف عن اعادتي الى الخدمة فقد قال الاستاذ انه عندما
عرض وزير الخارجية امر اعادتي الى الخدمة على المجلس الوطني للثورة قال رئيس
المجلس عبد السلام عارف " هم كاظم وهم خلف وتريدوني ارجعة. ما ارجعه" ثم
اردف الاستاذ عارف قائلا ان القرارات كانت تتم بالاكثرية، وقد بلغني بعد ذلك ان
الامر بفصلي وفصل ناثر العمري واخرين من مختلف الفروع ومختلف الاتجاهات كان ليس
بطلب من وزارة الخارجية وانما ما حدث هو ان وزارة الخارجية طلبت من مجلس الوزراء
ان ينظر في امر احد موظفي الوزارة وكان حسبما اتذكر من موظفي السفارة العراقية في
نيجيريا الذي غاب عن وظيفته مدة ثلاثة او اربعة ايام والتحق بتمرد البرزاني وجاء
الكتاب من مجلس الوزراء يقول بالاشارة الى كتابكم المرقم والمؤرخ، الكتاب الذي
تحدث عن الموظف الذي تغيب عن وظيفته لقد قرر مجلس الوزراء فصل الاشخاص التالية
اسمائهم وكانت القائمة تضم حوالي عشرين شخصاً منهم من كان لاسباب وظيفية او اسباب
نزاهة او عدم كفاءة، الى غير ذلك من الاسباب وكان من جملة الذين فصلوا عدد من
الاخوان الذين لم يكن لهم أي ذنب كما يبدو لي حينذاك سوى وشايات وتدخلات من زبانية
الزعيم. وبعد فترة وجيزة حان موعد اجتماع الجمعية السنوية للامم المتحدة في ايلول
فبعث عليّ وزير الخارجية لتسمية اعضاء الوفد العراقي وسألني رأي في الموضوع فقلت
له لقد اختط وزير الخارجية السابق هاشم جواد خطة جديدة في تسمية اعضاء الوفد الى
الامم المتحدة قال ما هي فقلت: لقد كانت الوفود الى الامم المتحدة قبل ان يأتي
هاشم جواد الى الخارجية تتكون من شخصيات مختلفة واتجاهات مختلفة ومن مؤسسات مختلفة
ليس لعدد كبير منها علاقة بالامم المتحدة وكان اعضاء الوفد يعينون لاسباب شخصية لا
تتعلق اكثرها بعمل الامم المتحدة وكان هناك من يعين في الوزارات الاخرى ومكانات
اخرى لاسباب مرضية ومنها شخصية ومزاجية، فتراهم يعينون وهم لا يعرفون لغة اجنبية
واحدة ولا يستطيعون التكلم بها فكانوا عبئاً على الوفود العراقية التي كانت تسافر
الى هناك وكان من اعضائها احياناً وزير سابق او ضباط بل ورئيس وزراء سابق. ولما جاء
هاشم جواد الى وزارة الخارجية قرر ان يتألف الوفد الى الامم المتحدة من موظفي
وزارة الخارجية والممثلية الدائمة في نيويورك ممن يحسنون اللغة الاجنبية بصورة
عامة والانكليزية بصورة خاصة فقال الوزير ولكني وعدت فيصل حبيب الخيزران سفيرنا في
موسكو ان يكون من ضمن اعضاء الوفد فقلت لا بأس بالامكان تسميته ضابط ارتباط مع
الوفود العربية وجرى تعيين الوفد كما كان يجري في السابق في ايام هاشم جواد
بالاضافة الى فيصل حبيب الخيزران الذي سبق ان وعد من قبل السيد الوزير ليكون احد
اعضاء الوفد وكنت قد انتدبت قبل ذلك ممثلاً للحكومة العراقية للاجتماع السنوي
لمنظمة العمل الدولية وكان الوفد العراقي هذه المرة برئاسة الدكتور عبد الله سلوم
السامرائي الذي كان وكيلاً لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية واحسست في البداية انه
كان يتوجس مني ولكن بعد ان تعددت اجتماعات المنظمة وتوالت لقاءاتنا في المنظمة
وخارجها احسست انه قد غير رأيه فيّ وصار يعتمد عليّ كما انه قيل لي آنذاك بعد ان
عدنا الى بغداد انه قدم تقريراً ايجابياً عني الى الجهات المسؤولة، وعلى الرغم من
عدم المامه باللغة الانكليزية الماماً كافياً فقد كان يتابع وقائع الاجتماع بحرص
كما كان محدثاً لبقاً في اجتماعات الوفود العربية وافترقنا منذ ذلك الحين سنين
طويلة الى ان التقيت به قبل مدة قصيرة في ملتقى الرواد في بغداد واهداني حينذاك
احد كتبه التي الفها بعد ان اعتزل من الخدمة. وقد كانت وما تزال اجتماعات منظمة
العمل الدولية السنوية تعقد بصورة مستمرة في جنيف تلك المدينة اللطيفة الجميلة.
الى روما:
وبعد
فينا ذهبت الى روما لتفتيش منظمة الزراعة الدولية وكان ذلك بالطبع مع اعضاء اللجنة
الاخرين واعجبت بالبلدين فينا وروما لما فيها من مناظر آثارية ومناظر خلابة
وتماثيل ومرافق تأريخية وغير ذلك وكانت كل من فينا وروما شاهدة كل منهما على حضارة
قديمة وحديثة في آن واحد كما حضرت في روما القداس السنوي الذي يقام في الفاتيكان
واستمعت الى خطاب البابا حينذاك الذي حيّا في نهايته الحاضرين بعدة لغات. ولا ازال
اتذكر بشوق مقاهي اثينا ومطاعم روما والمجالات الاخرى فيها كالمقاهي والملاهي والنوادي
والمجتمعات المختلفة والنوادي الرياضية .
وكالة وزارة الخارجية:
وعدت
مرة اخرى الى جنيف لتمثيل الحكومة في اجتماع لمنظمة العمل الدولية وكان الوفد
العراقي حينذاك برئاسة وزير العمل والشؤون الاجتماعية وكان وزير الخارجية حينذاك
الاستاذ صبحي عبد الحميد وكنت مديراً عاماً لدائرة الامم المتحدة والمؤتمرات
الدولية وبعد مرور عدة ايام في المؤتمر سمعنا من الراديو باستقالة وزارة طاهر يحيى
وفي الصباح عندما كنا في المؤتمر وكنت جالساً جنب السيد الوزير جاءني احد موظفي
المؤتمر ببرقية من بغداد تقول ان مرسلها يهنئني ولكنه لم يذكر سبب التهنئة وجاءت
برقية اخرى بنفس المعنى ولكن لم يذكر سبب التهنئة فقال لي الوزير حينذاك لقد اصبحت
وزيراً اهنئك على ذلك فقلت له ان ذلك غير ممكن فلست سياسياً ولست منتمياً الى اية
جهة سياسية ولست طامعاً بالوزارة ولست مؤهلاً لها وكانت النهاية اللطيفة لهذه
الحيرة تلك البرقية التي جاءتني من سفير السودان في بغداد السيد خليفة عباس وكان
عميداً للسلك الدبلوماسي في العراق وقد ذكر في البرقية خبر او قرار تعييني وكيلاً
لوزارة الخارجية عند تشكيل الوزارة الجديدة وعندما شكلت الوزارة الجديدة ابقي على
وزير الشؤون الاجتماعية والعمل فيها وقد فوجئت بهذا التعيين الذي اعتبرته تقييماً
وتكريماً لانه كان هناك في الوزارة من هم اقدم مني في الوظيفة.
مجابهة دبلوماسية:
وقررت
العودة الى بغداد بأسرع ما يمكن لاستلام وظيفتي الجديدة وكالة الوزارة وفي اليوم
الاول من تسلمي العمل الجديد وكيلاً للوزارة جاءني رئيس تشريفات الوزارة قائلاً لي
ان سفير ايران في بغداد (براسته) يريد مقابلتي وانه سبق لرئيس الوزراء ووزير
الخارجية ان رفض استقباله وكان الرئيس عبد السلام عارف قبل ذلك بيومين او ثلاثة قد
انهى مقابلته معه وصرفه لانه تحدث بما اعتبره الرئيس تدخلاً في الشؤون الداخلية
للعراق وقلت لرئيس التشريفات ان يضرب له موعداً لمقابلتي في الساعة العاشرة من
صباح اليوم التالي واستغرب رئيس التشريفات ذلك وعاد الى مكتبه وذهبت انا الى
الوزير على الفور السيد صبحي عبد الحميد واخبرته بما جرى بيني وبين رئيس التشريفات
وقلت له السفير قد يكون طلب المقابلة لشرح موقفه من الامر او للاعتذار عما بدر منه
او ما قيل انه بدر منه وان مقابلته تنسجم مع الاصول الدبلوماسية فوافق الوزير على
ان تتم المقابلة. وحاول السيد السفير في اليوم التالي وفي الموعد المحدد التخلص من
الموقف بصورة او باخرى وبادرني قائلاً بعد ان قدم لي التهاني بمناسبة تسلمي المنصب
الجديد بانه لم يقصد ما ذهبنا اليه من انه تدخل في الشؤون الداخلية لانني قلت له
قبل ان يبادرني بالكلام قلت له في بداية الاجتماع لقد اخطأت عندما قلت امام السيد
رئيس الجمهورية ما يكون قد فسر بطريقة لست مخولاً ان تتحدث بها امام السيد الرئيس
وقد كان ذلك تدخلاً او فُسر ذلك على انه تدخل في الشؤون الداخلية. وكان السفير
ينظر اليّ وكأنه كان يتوقع مني غير ما قلته له. وبعد اسابيع قليلة طرح موضوع تعيين
سفير جديد للعراق في ايران وترددت اسماء عديدة للمنصب المذكور ومن جملة من ترددت
اسماؤهم كان وكيل الوزارة كاظم الخلف وجاءني صباح ذات يوم بهذه الاثناء السيد مدير
العلاقات العام في الوزارة وقال لي بالحرف الواحد لقد التقيت السفير الايراني
براسته مساء امس في حفلة في السفارة الفلانية وقال لي سمعت ان من المرشحين الى سفارة
العراق في طهران وكيل الوزارة السيد كاظم الخلف ويجب عليّ ان اقول ذلك لك من الان
انه اذا رشح هذا الشخص فلن يكون مقبولاً لدى الحكومة الايرانية ومن الافضل ان يرشح
غيره !!.
وسام الرافدين:
دخلت
على السيد الوزير ذات يوم فوجدته على عجلة من امره ولما سألته قال لي انه سيذهب
ليقابل السيد رئيس الجمهورية عبد السلام عارف ليبحثوا مع اخرين منح وسام الرافدين
الى كبار ضباط الجيش فلفت نظره الى ضرورة منح السفراء وسام الرافدين ايضاً اذ ليس
من المعقول ان يمنح السفراء العراقيون في الخارج او بعضهم على الاقل الاوسمة
الاجنبية ويقومون بحملها بعد موافقة الحكومة العراقية (ان الموافقة لم تعد في
الوقت الحاضر فقد الغيت الموافقات على حمل الاوسمة الاجنبية) قلت له انه من غير
المناسب ان يحمل السفراء العراقيون اوسمة اجنبية دون ان يحملوا وساماً عراقياً أي
وسام الرافدين فرجوت ان ينقل ذلك الى السيد رئيس الجمهورية ولكنه عاد بعد ساعتين
او ثلاث الى الوزارة ليقول لي بان السيد الرئيس وافق على منح السفراء وسام
الرافدين على ان يقتصر ذلك على الضباط السفراء فقط!! واذكر بهذه المناسبة انني
عندما قدمت اوراق اعتمادي الى ملكة بريطانيا عندما ذهبت الى هناك سفيراً للعراق
امتنعت عن حمل الوسامين اللذين كنت قد حصلت عليهما من المانيا وفرنسا لانني لم ارد
ان احمل وسامين أجنبيين دون ان يكون على صدري وسام عراقي وقد مُنحت هذين الوسامين
الاول من المانيا عندما كنت قائماً بالاعمال والثاني عندما رافقت السيد رئيس
الجمهورية الاسبق الفريق عبد الرحمن عارف الى باريس في سفرته الرسمية بعد حين من
الزمن.
لعبة التنس والدبلوماسية:
كنت
منذ الدراسة الجامعية في بيروت والى امد قريب من هواة لعبة التنس ومن لاعبيها
المعروفين لسنين طويلة في نادي المنصور ونادي العلوية ولا ازال اتذكر كيف كنت
منصرفاً الى لعبة التنس في الجامعة الامريكية في بيروت وقد تعلمت اللعبة هناك
عندما كان رفاقي من طلاب البعثة في الجامعة يتدربون على السباحة وتعلمت لعبة التنس
على يد مدرب الجامعة ولا ازال اتذكر كيف كنت اراقب باعجاب السيد حازم نسيبه الذي
اصبح في يوم من الايام وزيراً لخارجية الاردن والذي كان من هواة ومن ابطال لعبة
التنس في الجامعة الامريكية وقد نفعتني لعبة التنس كثيراً في حياتي الدبلوماسية اذ
تعرفت عن طريقها بسفراء ووزراء في النوادي التي كنت انتمي اليها في سفراتي الى
الخارج في مهماتي الرسمية كدبلوماسي فكنت العب مثلاً في نيويورك مع مساعد السكرتير
العام للامم المتحدة وكنت العب في بون وفي لندن وباريس والقاهرة مع عدد كبير من
الدبلوماسيين الذين كنت استفيد منهم في الحصول على المعلومات التي ازود بها
الوزارة بين الحين والاخر والتي ذكرها السيد وزير الخارجية في يوم من الايام لامين
العاصمة بغداد عندما قال له ان هذا السفير يعلمنا مقدماً بما يقع او يحدث او يقال
وكان ذلك عندما كنت سفيراً في لندن واتردد على نادي هيرلنكهام الاجتماعي والرياضي
ونادي كوينز المتخصص بالتنس والنادي لا يقبل في عضويته الا اللاعبين بمستوى جيد
وقد توسط لي او توسطت لي بدخول هذا النادي نادي اللاعبين الجيدين زوجة السفير
البريطاني المتقاعد الذي كان سفيراً في بيروت وكانت زوجته هذه من لاعبي بريطانيا
في مسابقات ويمبلدن الشهيرة حينما كانت في شبابها وعلى ذكر لعبة التنس هذه اذكر
بهذه المناسبة حادثة طريفة وقعت لي في وكالتي الاولي للوزارة فقد اتصل بي تلفونياً
سفير الولايات المتحدة في بغداد حينذاك روبرت سترونك ليقول لي انهم انشأوا ساحة
تنس في السفارة وان الملحق العسكري الامريكي في طهران وهو من لاعبي التنس المهرة
موجود في بغداد وطلب اليّ ان كان بالامكان ان اصطحب معي احد لاعبي التنس المعروفين
في بغداد لافتتاح هذه الساحة في السفارة ودعا الى الافتتاح كافة اعضاء السفارة
وزوجاتهم وذهبت في اليوم التالي بسيارة الوزارة مستصحباً معي زميلي الذي كان من
احسن لاعبي التنس في بغداد وبدأنا بلعب التنس الزوجي وما ان بدأنا اللعب حتى وجه
زميلي الكرة بضربة قاسية الى السفير مباشرة وكان ان ضربه في موقع حساس فسقط على
الارض الامر الذي ادى الى قلقي والى اضطراب المشاهدين وزوجاتهم وبعد لحظات قام
السفير واستأنفنا اللعبة ودعينا الى تناول الشاي بعد اللعبة واعتذرت للسفير عما
حدث قائلاً له ان صاحبي هذا كان من طريقته في اللعب ان يصوب الكرة الى اللاعب
المقابل ومما يذكر انه ليس في قوانين التنس ما يمنع ذلك ولكن صاحبي لم يجد حاجة
للاعتذار فقمت انا بالاعتذار وفي اليوم التالي اتصل بي السفير تلفونياً لاجراء
لعبة اخرى قبل ان يسافر الملحق العسكري الى طهران فرجاني ان لا اصطحب معي ذلك
الشخص الذي وجه كرة التنس عندما بدأنا اللعب فاصطحبت لاعباً اخر.
وزير
خارجية اندونيسيا والتنس في بغداد:
وفي
يوم من الايام جاءني السفير الاندونسي في بغداد ليسألني عن مقاييس ملابس التنس
لوزير خارجيته سوبا ندريو الذي كان سيزور بغداد بعد بضعة اسابيع من ذلك التأريخ
واستغربت من السؤال وقلت له انني لا اعرف مقاييس وزير خارجيتي فكيف بي ان اعرف
مقاييس وزير الخارجية الاندونيسية فقال السفير ان الوزير اخبرني بانكم التقيتم في
ملعب التنس في داره عندما زرت اندونيسيا قبل مدة وانك وعدته في لعبة بغداد عندما
يزورها في المستقبل وتذكرت حينذاك الرحلة التي قمت بها الى اندونيسيا لتمثيل
العراق في مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز في جاكارتا ومؤتمر وزراء خارجية
الدول الافريقية الاسيوية في كولمبو عاصمة سيرلانكا وقد انتخبت حينذاك كما اذكر
مقرراً للمؤتمر في جاكارتا وفي عطلة الاسبوع دعي رؤساء الوفود الى زيارة بعض
المرافق السياحية والصناعية خارج جاكارتا ولكنني اعتذرت عن تلك السفرة وفضلت ان
اقبل دعوة وزير الخارجية للعبة التنس في داره وفي الساحة العائدة له في الدار وقد
دُعي للاشتراك ليلعب معنا سيدتان فلعبنا التنس الزوجي المختلط وفي الاستراحة بين
الفصلين او بين المرحلتين في اللعبة قدم لنا طعام الافطار وكانت اللعبة قد بدأت في
الساعة السابعة صباحاً بالنظر لارتفاع درجة الحرارة ورطوبة الجو الفظيعة.
وقدم
طعام الافطار وكان شيئاً غريباً لانه لم يكن مكوناً من البيض او غير ذلك مما نحن
معتادون عليه في بغداد البيض والمربى والجبن او غير ذلك بل كان مكوناً من الرز
ونوع من المرق يشبه القيمة التي تطبخ في النجف وبغداد احياناً والمكونة من الحمص
واللحم المقطع قطعاً صغيرة وفي المساء اقام السيد سوبان ندريو حفلة ساهرة لبعض
رؤساء الوفود الى المؤتمر وكنت من بينهم وكان من بينهم ايضاً سفراء الصين والهند
وذو الفقار علي بوتو وزير خارجية الباكستان وكانت حفلة مختلطة ترأست المائدة فيها
السيدة زوجة وزير الخارجية سوبا ندريو وكانت وكيلة لوزارة الصحة حينذاك وبعد
جاكارتا ذهبت الى كولومبو لحضور مؤتمر وزراء خارجية الدول الافريقية الاسيوية.
مؤتمر
دول عدم الانحياز والمؤتمر الاسيوي الافريقي:
وكان
ذلك بمناسبة انعقا اللجنة التحضيرية لمؤتمر عدم الانحياز والمؤتمر الاسيوي
الافريقي وقد عقدا في جاكارتا وكولومبو، ومررت بدلهي عاصمة الهند واعجبت بها
وبمرافقها القديمة والجديدة تلك المرافق التي دلت على حضارة قديمة ومرافق مختلفة
تختلف عما هو موجود في بغداد من الاثار والتماثيل وزرت تاج محل ذلك البناء الحضاري
والتذكاري الرائع ومررنا بـ سنغافورة تلك المدينة النظيفة والجميلة والتي تكون
دولة معروفة في العالم في الوقت الحاضر وقد لفت نظري الجمال الآسيوي الاسمر الذي
تعرفت عليه بعد ان مكثت في تلك البلدان مدة ولم اكن قبل ذلك ليلفت نظري ذلك الجمال
الرائع وما زلت اتذكر الفتيات الفاتنات الرائعات المشاركات في مسابقة الجمال التي
اقيمت في الفندق الذي اقمنا فيه في كولومبو وعند عودتي الى بغداد وكنت حينذاك مديراً
عاماً لدائرة الامم المتحدة والمنظمات الدولية طلب اليّ السيد الوزير ان اتحدث الى
المدراء العاميين في الوزارة عن رحلتي الى الشرق وخرج المدراء العامون بعد الحديث
لترشيحي او لترشحني الاشاعات سفيراً للعراق في الهند ويبدو لي ان ذلك حدث لانني
حاولت ان اتحدث باسهاب عن المغريات التي كانت تغري السائحين الاوربيين من حضارة
وتراث وجمال مختلف عندما يذهبون الى الشرق الاقصى التي تختلف عما هو موجود في
اوربا وعندما استمع المدراء العامون الى حديثي خرجوا من الاجتماع ليقولوا للاخرين
او لبعضهم البعض ان السيد المدير العام لدائرة الامم المتحدة سيذهب سفيراً الى
الهند وبعد مدة قصيرة جاء سوبا ندريو الى بغداد بدعوة من الحكومة العراقية ودعوته
الى لعبة تنس في نادي العلوية او المنصور لا اتذكر واقمت له او واقيمت له بعد ذلك
في مساء ذلك اليوم حفلة عشاء رسمية في القصر الابيض تحدثنا او تحدثت اليه عن
زيارتي الى جاكارتا وعما وجدته في جاكارتا وفي المدن الاسيوية الاخرى من مغريات
ومن جمال ولقد لفتت نظري في تلك المناطق اللون الاخضر الغامق الذي تتصف به المزارع
والحقول ذلك اللون الذي يكاد يكون ازرق!! من شدة اخضراره وقد لفت نظري الشارع
الرئيسي في كولومبو عاصمت سيري لانكا ذلك الشارع الذي بشارع الرشيد في بغداد
واعمدته التي تضفي عليه رونقاً خاصاً. والذي لفت نظري ان شارع كولومبو احتفظ
برونقه وحافظ على اعمدته بينما بدات الاعمدة
بالانحسار في شارع الرشيد بالنظر لعدم تقيد القائمين على البنايات الجديدة في الشارع
بالاعمدة كما تفاوتت طوابق البنايات الجديدة مما اخل بمنظر شارع الرشيد وجعل منه
نموذجاً صارخاً لعدم التنظيم او الارتجال وعدم الانتظام في العمارة ويذكرني شارع
الرشيد بمعلم آخر من معالم بغداد العربية الا وهو شارع ابو نؤاس الذي ابتعد على مر
الزمان عن نهر دجلة العظيم او أُبعد عنه ففقد رونقه وبهاءه وغاب عن انظارنا نهر
دجلة اثناء مرورنا بشارع ابي نؤاس ولم يبق لنا نحن الشيوخ إلا ذكرى تلك الامسيات
الجميلة التي كنا نقضيها في مقاهي وكازينوات شارع ابي نؤاس ومن تحتها يجري دجلة
بمناظره الخلابة وامواجه بامل ان تعيد امانة بغداد النظر في ذلك وتعيد شارع ابي
نؤاس الى عهده السابق .